استقلال أولادنا عنّا... متى وكيف؟

ليس من السهل التكهن بمقدار الاستقلالية التي يجب منحها إلى الأولاد لمساعدتهم على الانطلاق في مركب الحياة في الوقت المناسب، فهذه المبادرة هي رهن بدرجة نضوجهم جسدياً ونفسياً.
إليكم بعض الأمثلة المستقاة من الحياة اليومية.
أحسنت! لقد حققت نجاحاً باهراً! كم من الممتع أن نرى اولادنا يحلّقون عالياً ويتدبرون امورهم بأنفسهم، غير أن الأطباء النفسيين يحذرون من مغبة تركهم يتصرفون بمفردهم من دون مراقبة الأهل. أوليست جملة: «أنظري يا امي انا اجيد التصرف لوحدي» من أفضل الجمل التي يود أن يرددها الأولاد؟ من هذا المنطلق يحتّم على الأهل مرافقة أولادهم في عملية نيل استقلاليتهم من دون أن يفرضوا عليهم إرادتهم. فاجبارهم على التصرف باستقلالية أمر يصعب على الأولاد قبوله لأن الاذعان لرغبتهم هذه يجردهم من الاستقلالية التي يصبون إليها. تعود هذه المفارقة إلى الدقة التي يجب ان يتميّز بها دور الاهل كمربين والذي يتطلب منهم الأخذ في الاعتبار اختلافات الغير وطبيعتهم.
هل يحصل على مصروف الجيب؟
حوالى السابعة من عمره: يعني تلقي الولد مصروفاً خاصاً إمكان تصرفه به كما يحلو له ما يستوجب أن يكون كبيراً بما يكفي للذهاب إلى متجر بمفرده وأن يحسن العد لادارة مشترياته على أكمل وجه، قبل بلوغه السابعة أو الثامنة من العمر لن يحسن تقدير نفقاته بالنسبة الى مدخراته. يدرك الأهل هذا الأمر لأن نصف الأولاد في المرحلة الابتدائية يتلقى من أهله مبالغ من المال لا تتحول إلى مرتبات منتظمة قبل سن الـ14 أو الـ15.
أما في ما يتعلق بامتلاك بطاقة مصرفية فيجب انتظار بلوغ الثانية عشرة وهي السن التي تستطيع فيها هذه الفئة من الزبائن الحصول على كتيّب يتضمن بطاقة مصرفية لا يمكن استعمالها من دون الحصول على موافقة الأهل قبل الـ16.
هل يبقى على انفراد في المنزل؟
ليس قبل العاشرة: يختلف الأمر بين ولد وآخر في هذا المجال ما يحتم عليكم تبيّن الوضع مع أولادكم قبل الاقدام على تركهم بمفردهم في المنزل والاستعلام عن رأيهم في هذا الموضوع وعن المخاوف التي تراودهم، الأهم هو أن يكون الولد على أهبة الاستعداد لمواجهة هذه المسألة.
كذلك يجب ان تتحققوا من قدرة ولدكم على تدبُّر أمره بنفسه والتقيّد بالتعليمات المعطاة له وأن تتجنبوا الغياب لوقت طويل في المرحلة الأولى والاكتفاء بالتسوق في الجوار. على سبيل المثال، بعد إعطائه التعليمات الواجب اتباعها للمحافظة على سلامته كالطريقة التي ينبغي أن يتصرف فيها في حال قرع الباب أو رنّ الهاتف أو حصل عطل في الكهرباء. كذلك عليكم وضع قواعد واضحة حول الأعمال المسموحة والأعمال الممنوعة كاشعال التلفزيون أو اللعب على الكومبيوتر أو تسخين طبق لأن الولد الذي يتحلى بالمسؤولية الكافية للبقاء بمفرده في المنزل على مدى ساعات لا يستطيع بالضرورة استعمال المايكروايف.
ينبغي إحاطة ولدكم، مهما كانت الظروف. بالوسائل الضرورية للاتصال بالأهل أو على الأقل بشخص راشد قريب يكون قادراً على التدخل بسرعة في حال نشوء مشكلة ولا تنسوا ترك لائحة بالأرقام الطارئة قرب الهاتف.
هل يسافر وحده في القطار أو الطائرة؟
ابتداء من الرابعة: يعود اليكم اتخاذ القرار في هذا الشأن والتحقُّق من استعداد ولدكم وقدرته على تحمل هذه المسؤولية. في المبدأ يستطيع السفر من دون مرافقة والديه منذ سن الرابعة غير أن بعض البرامج تقترح عملياً إنشاء دائرة مسؤولة عن مرافقة الأولاد الذين تتراوح أعمارهم بين 4 و14 عاماً خلال العطل المدرسية.
أما بالنسبة إلى سفر الأولاد بمفردهم في الطائرة فقد استحدثت بعض شركات الخطوط الجوية خدمة موجهة إلى الأولاد المتراوحة أعمارهم بين 4 و11 عاماً تتحول إلى خدمة اختيارية ومدفوعة بعد الـ12 الى 17 عاماً.
هل يذهب إلى المدرسة بمفرده؟
إبتداء من الثامنة: يكتسب الأولاد عند بلوغهم السابعة أو الثامنة القدرة العقلية والنفسية التي تخولهم السير في الشارع بمفردهم وتقدير المسافات ودرجات السرعة، إنما لا يمكن أن يخوضوا هذه المغامرة قبل أن يتعلموا اجتياز هذه المسافة سيراً على الأقدام.
ويسود اعتقاد في هذا المجال أن الأولاد يدركون مخاطر الطرقات من خلال مراقبة تصرفات الوالدين، لكن لن يدعهم إقدامهم على تقليد الكبار بمنأى عن التعرض للحوادث. لا يكفي في هذا الصدد تزويدهم بالتعليمات التي تحتم عليهم عدم السير قبل رؤية الضوء الأخضر والالتفات يمنة ويسرة، إنما ينبغي اجتياز هذه المسافة برفقة الولد وإمساكه بيده في البداية قبل أن يتاح له القيام ببعض الخطوات أمام مرشده وذلك للتأكد من أنه أصبح يقظاً ومرتاحاً.
تجدر الاشارة إلى أن بعض الأهل يعتبر أولاده كباراً بعد اجتياز المرحلة الابتدائية، فلا يعارض ذهابهم إلى المدرسة بمفردهم متناسياً أن الطريق التي يسلكونها جديدة وطويلة وغالباً ما يجتازونها مع رفاق الصف. تؤدي هذه العوامل إلى تعرض الفئة بين 11 و12 عاما للقدر الأكبر من حوادث السير ما يحتم عليكم مرافقة أولادكم في الفترة الأولى لإرشادهم على الطريق.
هل يتصفح الانترنت منفرداًَ؟
بين الثامنة والتاسعة: عندما يبلغ الولد السابعة أو الثامنة من العمر يصبح قادراً على التحكم بالكمبيوتر واستخدام وظائفه كافة وتقليب صفحات الانترنت، متنقلاً بين مختلف المواقع، غير أن هذه القدرة تخفي في طياتها بعض المخاطر وتجعل تركه منفرداً أمام شاشة الكمبيوتر موازياً لتركه وحده في الشارع نظراً إلى امكان وقوعه على صفحات اباحية أو منافية للأخلاق والأعراف.
ولا شك في أن استحداث نظام لمراقبة تصرفات الأولاد في هذا المجال هو أمر لا غنى عنه مع ضرورة إعلام الولد بوجود صور من الممكن أن تلحق به الأذى. يقضي الحل المثالي في هذا المجال بالبقاء بالقرب منه عند قيامه ببحث عبر الانترنت لاتمام فرض مدرسي أو ابداعي أو للتسلية. </STRONG>